فصل: تفسير الآيات (262- 264):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآية رقم (260):

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)}
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} قال الحسن وقتادة وعطاء الخراساني وابن جريج: كان سبب هذا السؤال من إبراهيم عليه السلام أنه مر على دابة ميتة، قال ابن جريج: كانت جيفة حمار بساحل البحر، قال عطاء: في بحيرة طبرية، قالوا: فرآها وقد توزعتها دواب البحر والبر، فكان إذا مد البحر جاءت الحيتان ودواب البحر فأكلت منها فما وقع منها يصير في البحر، فإذا جزر البحر ورجع جاءت السباع فأكلن منها فما سقط منها يصير ترابا فإذا ذهبت السباع، جاءت الطير فأكلت منها فما سقط منها قطعتها الريح في الهواء، فلما رأى ذلك إبراهيم عليه السلام تعجب منها وقال: يا رب قد علمت لتجمعنها من بطون السباع وحواصل الطير وأجواف دواب البحر فأرني كيف تحييها لأعاين فأزداد يقينا، فعاتبه الله تعالى: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى} يا رب علمت وآمنت {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} أي ليسكن قلبي إلى المعاينة والمشاهدة، أراد أن يصير له علم اليقين عين اليقين، لأن الخبر ليس كالمعاينة.
وقيل كان سبب هذا السؤال من إبراهيم أنه لما احتج على نمرود فقال: {ربي الذي يحيي ويميت} [258- البقرة] قال نمرود أنا أحيي وأميت فقتل أحد الرجلين، وأطلق الآخر، فقال إبراهيم: إن الله تبارك وتعالى يقصد إلى جسد ميت فيحييه، فقال له نمرود: أنت عاينته، فلم يقدر أن يقول نعم فانتقل إلى حجة أخرى، ثم سأل ربه أن يريه إحياء الموتى. {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} بقوة حجتي فإذا قيل أنت عاينته فأقول نعم قد عاينته.
وقال سعيد بن جبير لما اتخذ الله تعالى إبراهيم خليلا سأل ملك الموت ربه أن يأذن له فيبشر إبراهيم بذلك فأذن له فأتى إبراهيم ولم يكن في الدار، فدخل داره وكان إبراهيم عليه السلام أغير الناس إذا خرج أغلق بابه، فلما جاء وجد في داره رجلا فثار عليه ليأخذه وقال له: من أذن لك أن تدخل داري؟ فقال: أذن لي رب هذه الدار، فقال إبراهيم: صدقت وعرف أنه ملك، فقال: من أنت؟ قال: أنا ملك الموت جئت أبشرك بأن الله تعالى قد اتخذك خليلا فحمد الله عز وجل، وقال: فما علامة ذلك؟ قال: أن يجيب الله دعاءك ويحيي الله الموتى بسؤالك، فحينئذ قال إبراهيم: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} أنك اتخذتني خليلا وتجيبني إذا دعوتك.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا أحمد بن صالح، أنا ابن وهب، أخبرنا يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي، ورحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي».
وأخرج مسلم بن الحجاج هذا الحديث عن حرملة بن يحيى عن وهب بهذا الإسناد مثله وقال: «نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى».
حكى محمد بن إسحاق بن خزيمة عن أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني أنه قال على هذا الحديث، لم يشك النبي صلى الله عليه وسلم ولا إبراهيم في أن الله قادر على أن يحيي الموتى وإنما شكا في أنه هل يجيبهما إلى ما سألا وقال أبو سليمان الخطابي: ليس في قوله نحن أحق بالشك من إبراهيم، اعتراف بالشك على نفسه ولا على إبراهيم، لكن فيه نفي الشك عنهما، يقول: إذا لم أشك أنا في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، فإبراهيم أولى بأن لا يشك، وقال ذلك على سبيل التواضع والهضم من النفس، وكذلك قوله: «لو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي» وفيه الإعلام أن المسألة من إبراهيم عليه السلام لم تعرض من جهة الشك، ولكن من قبل زيادة العلم بالعيان، فإن العيان يفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيده الاستدلال، وقيل: لما نزلت هذه الآية قال قوم: شك إبراهيم ولم يشك نبينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القول تواضعا منه وتقديما لإبراهيم على نفسه.
قوله: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} معناه قد آمنت فلم تسأل؟ شهد له بالإيمان كقول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح

يعني أنتم كذلك، ولكن ليطمئن قلبي بزيادة اليقين.
{قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ} قال مجاهد وعطاء وابن جريج: أخذ طاووسا وديكا وحمامة وغرابا، وحكي عن ابن عباس رضي الله عنه: ونسرا بدل الحمامة.
وقال عطاء الخراساني: أوحى إليه أن خذ بطة خضراء وغرابا أسود وحمامة بيضاء وديكا أحمر {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} قرأ أبو جعفر وحمزة {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} بكسر الصاد أي قطعهن ومزقهن، يقال صار يصير صيرا إذا قطع، وانصار الشيء انصيارا إذا انقطع.
قال الفراء: هو مقلوب من صريت أصري صريا إذا قطعت، وقرأ الآخرون {فَصُرْهُنَّ} بضم الصاد ومعناه أملهن إليك ووجههن، يقال: صرت الشيء أصوره إذا أملته، ورجل أصور إذا كان مائل العنق، وقال عطاء: معناه اجمعهن واضممهن إليك يقال: صار يصور صورا إذا اجتمع ومنه قيل لجماعة النحل صور، ومن فسره بالإمالة والضم قال فيه إضمار معناه فصرهن إليك ثم قطعهن فحذفه اكتفاء بقوله: {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا} لأنه يدل عليه، وقال أبو عبيدة: فصرهن معناه قطعهن أيضا، والصور القطع.
قوله تعالى: {ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا} قرأ عاصم برواية أبي بكر {جُزْءًا} مثقلا مهموزا، والآخرون بالتخفيف والهمز، وقرأ أبو جعفر مشددة الزاي بلا همز وأراد به بعض الجبال.
قال بعض المفسرين: أمر الله إبراهيم أن يذبح تلك الطيور وينتف ريشها ويقطعها ويخلط ريشها ودماءها ولحومها بعضها ببعض ففعل، ثم أمره أن يجعل أجزاءها على الجبال.
واختلفوا في عدد الأجزاء والجبال فقال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة: أمر أن يجعل كل طائر أربعة أجزاء ويجعلها على أربعة أجبل على كل جبل ربعا من كل طائر وقيل: جبل على جانب الشرق، وجبل على جانب الغرب، وجبل على جانب الشمال، وجبل على جانب الجنوب.
وقال ابن جريج والسدي: جزأها سبعة أجزاء ووضعها على سبعة أجبل وأمسك رءوسهن ثم دعاهن: تعالين بإذن الله تعالى، فجعلت كل قطرة من دم طائر تطير إلى القطرة الأخرى، وكل ريشة تطير إلى الريشة الأخرى، وكل عظم يصير إلى العظم الآخر، وكل بضعة تصير إلى الأخرى، وإبراهيم ينظر، حتى لقيت كل جثة بعضها بعضا في الهواء بغير رأس ثم أقبلن إلى رءوسهن سعيا فكلما جاء طائر مال برأسه فإن كان رأسه دنا منه، وإن لم يكن تأخر، حتى التقى كل طائر برأسه فذلك قوله تعالى: {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا} قيل المراد بالسعي الإسراع والعدو، وقيل المراد به المشي دون الطيران كما قال الله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله} [9- الجمعة] أي فامضوا، والحكمة في المشي دون الطيران كونه أبعد من الشبهة لأنها لو طارت لتوهم متوهم أنها غير تلك الطير وإن أرجلها غير سليمة والله أعلم. وقيل السعي بمعنى الطيران {وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

.تفسير الآية رقم (261):

{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)}
قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} فيه إضمار تقديره مثل صدقات الذين ينفقون أموالهم {كَمَثَلِ} زارع {حَبَّة} وأراد بسبيل الله الجهاد، وقيل جميع أبواب الخير {أَنْبَتَت} أخرجت {سَبْعَ سَنَابِلَ} جمع سنبلة {فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} فإن قيل فما رأينا سنبلة فيها مائة حبة فكيف ضرب المثل به؟ قيل: ذلك متصور، غير مستحيل، وما لا يكون مستحيلا جاز ضرب المثل به وإن لم يوجد، معناه: {فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} فما حدث من البذر الذي كان فيها كان مضاعفا إليها وكذلك تأوله الضحاك فقال: كل سنبلة أنبتت مائة حبة {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} قيل معناه يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء، وقيل: معناه يضاعف على هذا ويزيد لمن يشاء ما بين سبع إلى سبعين إلى سبعمائة إلى ما شاء الله من الأضعاف مما لا يعلمه إلا الله {وَاللَّهُ وَاسِعٌ} غني يعطي عن سعة {عَلِيمٌ} بنية من ينفق ماله.

.تفسير الآيات (262- 264):

{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)}
قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قال الكلبي: نزلت هذه الآية في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما، جاء عبد الرحمن بأربعة آلاف درهم صدقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كانت عندي ثمانية آلاف فأمسكت منها لنفسي وعيالي أربعة آلاف درهم، وأربعة آلاف أقرضتها ربي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله فيما أمسكت لك وفيما أعطيت، وأما عثمان فجهز جيش المسلمين في غزوة تبوك بألف بعير بأقتابها وأحلاسها فنزلت فيهما هذه الآية.
وقال عبد الرحمن بن سمرة: جاء عثمان رضي الله عنه بألف دينار في جيش العسرة فصبها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يدخل فيها يده ويقلبها ويقول: «ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم» فأنزل الله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} في طاعة الله {ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا}.
وهو أن يمن عليه بعطائه فيقول أعطيتك كذا، ويعد نعمه عليه فيكدرها {وَلا أَذًى} أن يعيره فيقول إلى كم تسأل وكم تؤذيني؟ وقيل من الأذى هو أن يذكر إنفاقه عليه عند من لا يحب وقوفه عليه.
وقال سفيان: {مَنًّا وَلا أَذًى} أن يقول قد أعطيتك وأعطيت فما شكرت، قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كان أبي يقول: إذا أعطيت رجلا شيئا ورأيت أن سلامك يثقل عليه فكف سلامك عنه، فحظر الله على عباده المن بالصنيعة، واختص به صفة لنفسه، لأنه من العباد تعيير. وتكدير ومن الله إفضال وتذكير {لَهُمْ أَجْرُهُمْ} أي ثوابهم {عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
{قَوْلٌ مَعْرُوفٌ} أي كلام حسن ورد على السائل جميل، وقيل عدة حسنة. وقال الكلبي: دعاء صالح يدعو لأخيه بظهر الغيب، وقال الضحاك: نزلت في إصلاح ذات البين {وَمَغْفِرَة} أي تستر عليه خلته ولا تهتك عليه ستره، وقال الكلبي والضحاك: بتجاوز عن ظالمه، وقيل يتجاوز عن الفقير إذا استطال عليه عند رده {خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ} يدفعها إليه {يَتْبَعُهَا أَذًى} أي من وتعيير للسائل أو قول يؤذيه {وَاللَّهُ غَنِيٌّ} أي مستغن عن صدقة العباد {حَلِيم} لا يعجل بالعقوبة على من يمن ويؤذي بالصدقة.
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ} أي أجور صدقاتكم {بِالْمَن} على السائل، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: بالمن على الله تعالى: {وَالأذَى} لصاحبها ثم ضرب لذلك مثلا فقال: {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ} أي كإبطال الذي ينفق ماله {رِئَاءَ النَّاسِ} أي مراءاة وسمعة ليروا نفقته ويقولوا إنه كريم سخي {وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} يريد أن الرياء يبطل الصدقة ولا تكون النفقة مع الرياء من فعل المؤمنين وهذا للمنافقين لأن الكافر معلن بكفره غير مراء {فَمَثَلُه} أي مثل هذا المرائي {كَمَثَلِ صَفْوَانٍ} الحجر الأملس، وهو واحد وجمع، فمن جعله جمعا فواحده صفوانة ومن جعله واحدا فجمعه صفي {عَلَيْه} أي على الصفوان {تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ} المطر الشديد العظيم القطر {فَتَرَكَهُ صَلْدًا} أي أملس، والصلد الحجر الصلب الأملس الذي لا شيء عليه فهذا مثل ضربه الله تعالى لنفقة المنافق والمرائي والمؤمن الذي يمن بصدقته ويؤذي ويري الناس في الظاهر أن لهؤلاء أعمالا كما يرى التراب على هذا الصفوان فإذا كان يوم القيامة بطل كله واضمحل لأنه لم يكن لله عز وجل كما أذهب الوابل ما على الصفوان من التراب فتركه صلدا {لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا} أي على ثواب شيء مما كسبوا وعملوا في الدنيا {وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي، أخبرنا أبو الحسن الطيسفوني، أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري، أخبرنا أحمد بن علي الكشميهني، أخبرنا علي بن حجر، أخبرنا إسماعيل بن جعفر، أخبرنا عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ قال: «الرياء يقول الله لهم يوم يجازي العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء».
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد الحارثي أخبرنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أخبرنا عبد الله بن محمد بن محمود، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال، أخبرنا عبد الله بن المبارك عن حيوة بن شريح، أخبرني الوليد بن أبي الوليد أبو عثمان المدائني أن عقبة بن مسلم حدثه أن شفيا الأصبحي حدثه أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس فقال من هذا؟ قالوا: أبو هريرة، فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدث الناس فلما سكت وخلا قلت له: أنشدك الله بحق، لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ فقال: بلى يا رب قال: فماذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال فلان قارئ فقد قيل ذلك، ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى يا رب، قال: فما عملت فيما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم وأتصدق. فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة كذبت ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال فلان جواد فقد قيل ذلك، ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول له: فبماذا قتلت؟ فيقول: يا رب أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله: كذبت وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله تعالى: بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذلك، ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال: يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق تسعر بهم النار يوم القيامة».